الاثنين، ١٤ جمادى الأولى ١٤٢٩ هـ

ورَحَلَت هَديل ..


ورَحَلَت هَديل ..

ما حيلة الإنسان وقد خانه أمله، وجاءه أجله,

فبينما هو في رجاء ، فسيح الأرجاء ,

إذا به قد دُعِيَ فأَجاب مِن دُون تَعريجٍ

على إستعداد، ولا تنفيس لأخذ زاد


الثعالبي


في الأونة الاخيرة , بينما اتنقل في أروقة هذا العالم الأليكتروني الرهيب وعندما كنت اتجول كعادتي المدونات العربية وملفات الاصدقاء في الـ Facebook , وجدت نفسي أتعرض لإسم كنت قد تعرض له بصورة مثيرة للاستغراب , فكان بين شفاء يرتجى له , ورحمة تُسأل لها ! وبين الرحمه والشفاء مكثت هديل !


هذه المرة لم تكن كالتي قبلها , لان المرة كان الاخ الذي رأيت إسمها عنده كان قد كتب : رحمك الله يا هديل . تساؤلت للحظات من تكون هديل هذه , ولم اعتني بالامر كثيرا فظننت انها قريبة هذا الصديق , وما ان تركت الصفحة حتى عدت وتذكرت ان هديل هذه ربما تكون نفسها التي كان يدعو لها الاخ رشيد - صاحب مدونة رشيد - بالشفاء العاجل وقد خصص لها موضوعا يدعو لها بالشفاء بعد ان ذكر انها في العناية المركزة .. منذ تلك اللحظة وجدت نفسي مجبراً على ان اتعرف على هذه الشخصية التي كثر ذكرها , والتي جعلتي اتساؤل فيما الذي جعل ذلك الصديق من قطر يعرفها وجعل الاخ رشيد من فلسطين يعرفها في الوقت نفسه .. كهذا التساؤل وتساؤلاتٍ اخرى بدات تشغل فكري , حتى عدت وزرت مدونة رشيد مرة اخرى وإذا به ينشر موضوع جديد يذكر فيه ان الاخت هديل إنتقلت الى جوار ربها !!


في هذه الأثناء شعرت انه لا بد من معرفة من تكون هديل هذه , حتى بدأت ابحث فوجدت من المقالات ما قد لا يحصى , ولم البث كثيراً فوقعت اخيرا على ما يغيث لهفتي ووجدت ان هديل هذه كانت من اصحاب المدونات الناجحة بل الناجحة جدا , فلقد كانت تملك قلما بارعا في الكتابة والتأليف , مما جعل لمدونتها رواجاً لم تحظى بها مئات المواقع على الشبكة ويبدو ان ذلك يعود في الأصل لصدقها مع نفسها ومع الغير وإن كانت تكتب في العالم الإفتراضي ! كما وان هديل كانت تشارك في الكثير من المدونات الاليكترونية الهادفة , حيث حملت فيها رسالة تدافع عن هموم الإنسانية , كما وكانت طالبة في جامعة الملك سعود في الرياض , وكان المحررة لباب "الإبداع" في الزاوية الادبية في مجلة الحياة , والفت مجموعة قصصية , وبإختصار شديد : كانت من الشباب الذين تألقوا في رحاب الادب وخدموا الإنسانية من خلال كلماتهم الهادفة واقلامهم المُجاهِدة .


وهديل – رحمها الله - تقول عن نفسها في مدونتها التي أسمتها باب الجنة :


ولدتُ في ليلة من شهر أبريل 1983 .. كانت صرختي إيذاناً لرجل أن يكون أباً للمرة الأولى، ولأم أن تنجب من بعدي سبعة أخوة..


وعندما تتحدث عن بداية عمرها الإفتراضي تقول :


الآن أتساءل:
هل حقاً هناك من يأبه بكل تلك الحياة التي تسردينها؟


ربما سيكون هناك من يأبه بأني بدأتُ عمري الافتراضي من عام 2001، وتسكعت في أماكن كثيرة، بعضها غار في النسيان، وأخرى ما عادت أوطاناً تستحق البقاء.. أول بريد ملكته كان في صناديق نسيج، وسيكون من الغريب أن أعترف بأن أول منتدى سجلتُ به كان منتدى الزعيم الهلالي! قبل أن تلم شتاتي جسد الثقافة لوقت طويل، ويكون لها الفضل في أن ألتقي بأصدقاء جميلين جداً، وروح وارفة جداً.. وعمر مليء بالانتصارات والخيبات أيضاً.. إلى أن غدى المكان غريباً.. وكان لا بد لي من هجرة.. لأمتهن رحيلاً مستمراً..



الآن وأنا أكتب من هذه النافذة الخاصة بي .. النافذة الأولى التي أملكها تماماً في هذا الفضاء.. أشعر بأن أوان السفر آن له أن ينتهي.. وآن لي أن أستريح بعد أن وصلتُ شيخوخة عمري الافتراضي!



هنا عتباتي للسماء!!


لست ادري ما أقول بعد قراءة كلمات كهذه كتبتها اختنا هديل – رحمها الله – قبل عامين تقريبا , تتحدث فيها عن نفسها وعن حياتها الافتراضية ولست ادري كيف افسر كلماتها حين تقول : أشعر بأن أوان السفر آن له أن ينتهي.. وآن لي أن أستريح بعد أن وصلتُ شيخوخة عمري الافتراضي!



ربما كلامتي تعجز عن التعبير ولكن كلماتها هذه لا بد وان تبقى خالدة , في ذكرى الاوراق , تذكر راحة خلدت اليها هديل بعد عناء طويل , بعد هذا المشوار المكلل بالنجاح , الذي قضته في احضان الخواطر ودهاليز الكلمات تحكي لنا ما يشغل خاطرها وهي تمكث في شبه جزيرة العربية في مدينة الرياض , حيث جعلت نسبة ً لا يُستهان بها من رواد هذه الشبكة العنكبوتية لا يترددون في زيارة مدونتها لمطالعة افكارها وارائها التي ابت الا ان تبقى وإن إرتاحت روحها وانتقلت لجوار ربها !


كما هذه الفكرة اشعلت فيّ الحيرة , كذلك هذه الفقرة التي تقع في الغرفة الخلفية من مدونة هديل – رحمها الله - , حيث تتحدث فيها عن فرحتها وبهجتها ليوم ميلادها الخامس والعشرين وكيفية إستعدادها لهذا اليوم في موضوع كتبت فيه :

بخصوص فكرة منتصف العمر، فقد كانت نابعة من أمنيتي القديمة والمستمرة بأن أموت عند سن الستين، لذا فالسنوات منذ غداً وحتى بعد خمس سنوات، هي سنوات منتصف العمر الذي حددته لنفسي، وسيكون من المهم أن لا أقصر مع نفسي بشيء خلالها، وأدللها قبل أن يبدأ الزمن بالعد لي تنازلياً..


فلست ادري أي الكلمات بأي اللغات قد تفسر هذه الكلمات التي ابت إلا ان تكون اعظم من حروفها ! فبين فكرة منتصف العمر وتدليل النفس اجد نفسيا لا اقدر على الكتابة , بينما لو كانت هديل بيننا لأستغربت من إختيارها لفكرة الستين عاماً هذه لانها كانت متواضعة بأحلامها ففي جيل كهذا لا يكون الانسان العامل قد وصل لجيل التقاعد ! ولكن سبحان الله فأن تواضعها خاب ايضاً , فلقد كان اجلها قبل ان تنتهي من الخمس سنوات القادمة التي تجعلها تقف على قمة أسمتها "منتصف العمر" وكان اجلها لا يبعد عنها سوى اسابيع قليلة , فلم تساعدها فكرة منتصف العمر ولا تدليل النفس , وكان قدر الله فوق إرادتها ولكنني متأكد من ان إرادة الله التي كانت فوق ارادتها لا بد وان تكون لها خيرا , كيف لا والله عز وجل يقول في كلامه المقدس : وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ! فجعل الله لها نهاية تحير لها الاذهان , وبينما هي رقدت ليلتها الاخيرة تستعد ليوم مشرق اخر , شاء الله ان تكون النهاية وكان الرحيل ..


رحلت بينما تستمع في ريعان الشباب وعنفوانه , رحلت وكلماتها تشع أملاً وفعاليةً , رحلت وعيون القراء ترتشف من عبير معانيها السامية , رحلت وتركت لنا كنزاً من كنوز التدوين العربي , رحلت هديل , رحلت المُدَوِّنَةُ الرائعة ! بتدويناتها المميزة والمتألقة في سماء هذا العالم الإفتراضي .



حائر بين الحروف انا , لست املك ما أعلق به على كلام هديل التي اثارتني بكلماتها وتدوينتها الحيّة , ولست املك لك يا هديل الا ان ادعو لك بالرحمه , فإن في الموت الف فضيلة لا تُعرف , ولست املك لذكرياتك الا ان اقول , انك بجوار رب رحمن رحيم , عفو كريم , يغفر لمن يشاء بغير حساب , فيا الله , اغفر لأختنا هديل وإجعل لها في كل حرف كتبه حسنة , ترتقي به نحو جنات عدن بجوار المصطفى عليه الصلاة والسلام !



اللهم إغفر ذنبها وخفف حسابها ، وإجعل رحمتها حسبك وتغمدها اللهم بغفرانك، ومهد لها في أعلى جنانك.


اللهم إغفر لها مغفرة تحف بالروح والسلام، وتفسح لها في دار المقام..

كتبتها في يوم الإثنين , 19 ايار لعام 2008


يمكنكم الإطلاع على لقاء أجري مع الاخت هديل , في منتديات لها اون لاين ,
بعنوان : هديل الحضيف : أروى "اختي"أول من يقرأ نصوصي..!!

والسّلام

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

رحمك الله اختنا هديل وادخلك فسيح جناته !

من هم عرب 48 ؟؟

انني وبعد ان خضت تجربة لا بئس بها في الساحة العربية الإسلامية الاليكترونية , كالمنتديات والمدونات , وموقع شتى , اثارني دائما ان هناك نسبة لا بئس بها لا يعرفون عن عرب 48 اي شيئ وإذا كانوا يعرفون فمعلوماتهم مغلوطة نوعا ما .. واصلا هناك من استغرب بوجود عرب داخل اسرائيل !!! فمن فضلك اقرا هذا السطور قبل الدخول وبإسم الله نبدا : عرب الـ48، هي التسمية الشائعة في العالم العربي للفلسطينيين العرب الذين يعيشون داخل حدود إسرائيل (الخط الأخضر، أو خط الهدنة 1948).(يستخدم مصطلحي "عرب إسرائيل" و "الوسط العربي" للإشارة إليهم في الإعلام الإسرائيلي، كما يستخدم مصطلح "الأقليات العربية"، لاحظ استخدام صيغة الجمع) هؤلاء العرب هم من العرب آو أنسال العرب الذين بقوا في قراهم وبلداتهم بعد حرب الـ48 وإنشاء دولة إسرائيل، أو عادوا إلى بيوتهم قبل إغلاق الحدود. تضم الإحصائيات الإسرائيلية الرسمية سكان شرقي القدس وهضبة الجولان إلى "عرب إسرائيل" بالرغم من أن أغلبيتهم حائزين على مكانة "مقيم دائم" في إسرائيل ولا يملكون الجنسية الإسرائيلة. حسب الإحصائيات الإسرائيلية الرسمية يشكّل المسلمون حوالي 83% منهم ، 12% من المسيحيين و5% دروز. يقدّر عدد مواطني إسرائيل العرب والحائزين على مكانة "مقيم دائم" بما يقارب 1،413،500 نسمة1، أي 19.87% من السكان الإسرائيليين2 وهم يقيمون في ثلاث مناطق رئيسية: جبال الجليل، المثلث وشمالي النقب. أما من بين المواطنين فقط فتكون نسبة المواطنين العرب حوالي 16% من كافة المواطنين الإسرائيليين..من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة أخيراً : معلومة مهمة جدا الا وهي ان دخول الجيش الاسرائيلي غير متاح للعرب المسلمين والمسيحيين بسهولة خوفا من عدم الولاء للدولة !