اقدم لكم ما جاء في كتاب : نصرة الثائر على المثل السائر للصفدي
كيف ينمي الكاتب ثقافته ؟
"... أقول: أما الكاتب فيحتاج إلى حفظ الكتاب العزيز وإدمان تلاوته، ليكون دائراً على لسانه، جارياً على فكرته، ممثلا بين عيني ذاكرته لينفق من سعته، وإلى معرفة اللغة والنحو وإدمان الإعراب ليلا ونهارا ، حتى يصير له ذلك ملكة جيدة، والتصريف والمعاني والبيان والبديع والعروض والقافية والأحكام السلطانية كما ذكر في كتابه وشيء من التفسير، وشيء من الأحاديث مثل كتاب الشهاب أو كتاب النجم للأقليشي، والآثار المنقولة عن الصحابة رضوان الله عليهم وما دار بين الخلفاء الراشدين وعمالهم، وما دار بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من المحاورات، وتواقيع الخلفاء والوزراء والكتاب، وأمثال العرب، وحفظ جانب جيد من شعر العرب والمخضرمين والمحدثين وفحول المتأخرين، وحفظ جيد الحماسة ومختار المفضليات، وبعض قصائد منتهى الطلب جمع ابن ميمون، وما أمكن من التاريخ وأسماء الرجال والحساب، ومراجعات أمهات كتب الأدب، مثل الأغاني والعقد والبيان والتبيين والذخيرة وزهر الآداب وأمالي القالي والكامل للمبرد وتذكرة ابن حمدون وحفظ جانب جيد من المقامات والخطب النباتية، وبعض شعر المتنبي وأبي تمام والبحتري وسقط الزند وغير ذلك. وقد اخترت أنا من شعر هؤلاء الشعراء الأربعة في مجلدة لطيفة، والوقوف على ترسل الكتاب ومراعاة ما قصدوه في كل فن: من التهاني والتعازي والفتوحات ووصايا تقاليدهم وتواقيعهم وأوامرهم ونواهيهم فيها، وافتتاحات أدعيتهم في كل ما يتشعب من طرق الكتابة وكيفية البداءات والمراجعات في الهدايا والشفاعات والأوصاف وكتب الإخوان وما يجري هذا المجرى. وهذا باب لا يغلق له مصراع ولا ينعقد على حصره إجماع.
وعلى الجملة، فالكاتب يحتاج إلى كل شيء، ولولا أنه لا يلزمه تحقيق كل فن لقلت إنه الذي يعرف الوجود على ما هو عليه. وهيهات.
نعم الناس متفاوتون في ذلك وهم على طبقات: فمنهم من تسنم الدرجات، ومنهم من لا نهض من الدركات، وما بين ذلك. ولا بد من المشاركة مهما أمكن، ولو أنه معرفة لمصطلح لكل صاحب فن، وإذا كمل مواده أو قارب الإكمال، فمعرفة مصطلح الديوان في المكاتبات من معرفة الألقاب والنعوت وما يجري هذا المجرى. فإن هذا معرفته مع المباشرة في أقل من جمعة يتصوره ويدريه، وهو مما لم يتقرر قاعدته، لأنه يختلف باختلاف كل زمان وأهله. وهذا لا عبرة به، فإنه أسهل ما يعرفه."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق