السبت، ١٦ ذو الحجة ١٤٢٧ هـ

ولكنك كنت دكتاتورا رائعاً..





"سيدي الرئيس، لقد أخطأت كثيراً وأصبت كثيراً. ولكنك كنت دكتاتورا رائعاً. أما أنا، فقد كنت على خطأ دائماً."

بقلم: علي الصراف

الكتابة اليك، في أي وقت آخر، كان يمكن ان تكون موضوعا لسوء الفهم. ولكن بما انك سجين، فما من احد يستطيع اتهامي بالسعي للحصول على "كوبون نفط" ولا على سيارة مرسيدس من تلك التي كنت تشحنها لكل كويتب يمتدحك.

في الواقع، فعندما كانت تنهال عليك المدائح وقصائد الشعر والاغاني والاهازيج، وعندما كانت طلعتك تشكل بمفردها مناسبة للبهجة والاحتفال، كنت واحدا من معارضيك. وكنت لا استهين بسياساتك القمعية وحدها، ولكني كنت أسخر حتى من اللغة الملتوية التي تستخدمها للتعبير عن أفكارك والتي كان "المثقفون" العراقيون من موظفيك يعتبرونها قمة العبقرية. كل شيء فيك كان يثير حفيظتي وخوفي. كنت أرى السلطة، لا المشروع. الغطرسة لا المعنى. الفرد لا المجموع، وبطبيعة الحال... القسوة والعنف لا العنفوان والقوة. وإذ جعلت الفاصل بين العراق وبينك صعباً، فقد زادت الهوة حتى صرتُ، كالكثيرين، مغتربا قبل أن أهرب لابحث عن وطن آخر أقل وحشية.

لقد غادرتُ العراق منذ ان اصبحتَ رئيساً. كنت أقول، ممازحا، ان هذا البلد لا يمكنه ان يتحملنا معاً. فإما أنا وإما أنت. وكنت ما أزال شابا، فيه من الحماقة اكثر مما فيه من النضج. وفيه من الجهل أكثر مما فيه من المعرفة. وبطبيعة الحال، فقد كنت أقول "... ومن أنت؟"

الآن فقط، أشعر كم ان كلاما مثل هذا، قاس ومروع. والآن أقول بخجل "... ومن أنا؟".

كان نظامك في نظري وحشيا في عنفه، بل وذا طبيعة نازية أيضا، اذا اخذت بعين الاعتبار شموليته وسطحيته وتعاليه. ما من طبع من "طبائع الاستبداد" إلا وكان ظاهراً في ظل سلطتك. وبالحشد الهائل من أنصاف الأميين الذين كانوا يلتفون حولك، فقد كان من المستحيل حتى على الأشياء الحسنة التي فعلتها، وهي ليست قليلة، ان تحتفظ بقيمتها او ان تتحول الى شيء يمكن البناء عليه.

سهلٌ جدا القول، ان هؤلاء كانوا هم السبب في تحويلك الى فرعون متجبر، أو انهم هم الذين يتحملون جملة الاخطاء التي ارتكبت في هذا الشأن او ذاك. ولكن ذلك لا يعفيك أبدا من المسؤولية عنهم. فقد كنت أنت نفسك تفترض ان "أهل الولاء" يجب ان يكونوا أقرب اليك من "أهل الخبرة". ولا شك لدي بانك تعرف جيدا الآن، بأن غباء وتهافت "أهل الولاء" هو آخر ما يفيد لحفظ سلطة او لتحقيق أي هدف. انهم
مثل العسل المسموم، لذيذ في مذاقه، مدمر في عواقبه. في حين كان يمكن لـ"أهل الخبرة" ان يكونوا مثل العلقم الشافي، قد يقولون كلاما مُرا ولكن نقدهم يبني
.

بيد اني، وانا انظر لعراق السبعينات والثمانينات من هذا المرتفع الزمني، أدرك انك كنت تعمّر شاهقا. كانت لديك رؤية خارقة لما يجب ان يكون عليه عراق المستقبل. أشعر انك كنت عراقيا أكثر من ملايين العراقيين. قسوة نظامك حالت دون ان نرى ما كنت تراه، ربما، ولكنك كنت تمضي قدما.

عندما كانت قواتك تضطهد الأكراد، حملتُ السلاح لأقف الى جانبهم. لحسن الحظ، كان سلاحي الرئيسي هو قلمي. اما سلاحي الآخر - مسدس ذو سبع طلقات- فقد كان ابعد ما يكون عن ان يشكل خطرا على أي احد، أكثر من خطره على نفسي. كنت اريد ان استخدمه للانتحار، لكي أتحاشى الوقوع بين أيدي اجهزة مخابراتك. وبما اني كنت ضحية تعذيب سابقة على يد احدى تلك الاجهزة، فقد كنت، وما ازال أدرك، ان الموت أرحم مائة مرة من التعذيب. وكنت كثيرا ما أسأل:

هل كان من الضروري ان تكون قاسيا الى تلك الدرجة؟

هل كان يجب التضحية بكل أولئك البشر لكي تقيم عراقا آخر موجوداً في مخيلتك؟

هل كان من الصحيح ان تقيم نظاما شموليا يعد على الناس أنفاسهم؟

كلنا يمكن ان نتفلسف في تقديم الأجوبة. وأجوبتنا غالبا ما تكون قاطعة وحاسمة.

اليوم، ومن مرتفع الخراب الذي يحل بالعراق، فما من جواب يصلح ان يكون جوابا.

الشك، والحيرة المليئة بمشاعر الخزي، هي جوابي الوحيد


ربما كنا نستحق كل ما كنت تفعل.

عندما تنظر اليوم الى اللصوص الذين ورثوا سلطتك، والخونة الذين امتطوا دبابات الغزو ليركبوا على ظهر العراق، والطائفيين الذين يقتلون الناس بالجملة، والمجرمين الذين يمارسون أعمال التعذيب، ألا يخطر لك ان تسأل من أي "سبتيتنك" -بالوعة- خرج كل هؤلاء الوحوش والمشوهون؟

ثم، ألا يخطر لكل معارض ذي ضمير ان يسأل، من أي خزي جاء كل هؤلاء النصابون؛ من أي غابة خرجوا، لينهبوا ويدمروا ما كان يفترض انه بلدهم؟

وهل بقي أي شرف في القول
"اني كنت معارضا".

أنظر اليهم، وسترى انهم العار مجلجلا بعينه.

***

يا سيدي،
يستطيع أي منا ان يقول ان الدكتاتورية لا تبني وطنا. ومجتمع الدكتاتورية هو بطبيعته خراب يغمره العفن. ووحدته الزائفة ليست سوى غطاء مهلهل لشروخ وتمزقات وتشوهات انسانية وأخلاقية لا سبيل الى حصرها.

انت مسؤول عن الكثير مما آل اليه حالنا.

ولكن، في غمرة الشك، ربما كان من الجائز ان نسأل عما اذا كان العراقيون انفسهم أقل أهلية ليكونوا بمستوى الرقي الذي كنا نزمع اننا نأتي منه.

الوحشية ربما كانت وحشية العراقيين انفسهم أيضا. أخلاقياتهم وقيمهم المزيفة ربما كانت هي نفسها السبب في ان تجعلك ديكتاتورا
. وإلا فما الذي يجعلهم اليوم، مثل الذئاب ينهشون لحم بعضهم بعضا. وكيف يجوز لهم التواطؤ مع مجرمين وخونة ولصوص، ليس لتغيير نظام بل لسحق العراق برمته وتمزيقه وتدميره. أتراهم "وطنيون" بأي معنى من المعاني؟ هل لديهم شرف أصلا؟

منذ متى أصبح الشيعي يقتل السني؟ كيف، وثلاثة أرباع الزيجات بينهم مختلطة؟

أهذا عراق أم مزبلة؟
sad.gif

الكثير من العراقيين يستطيعون ان يروا اليوم ان نظامك -الدكتاتوري جدا- استطاع في غضون ستة أشهر بعد انتهاء الحرب مع اميركا ان يعيد بناء كل ما تهدم من البنية التحتية، وربما بالقليل جدا من التكلفة. بل ان اعمال الاعمار والتنمية لم تتوقف أصلا.

أنظر الى مرحلة "ما بعد الدكتاتورية"، فماذا سترى؟

عشرات المليارات من الدولارات من اموال النفط التي احتجزتها الأمم المتحدة ضاعت بين اللصوص واحزاب الاحتلال وشركاته. وما من شيء يعمل. عراق الجعفري والحكيم والجلبي وعلاوي والطالباني والبارزاني وصولاغ وخليلزادة ليس سوى مرآة لانحطاط ثقافتهم ومستواهم الأخلاقي المتدني. لقد صنعوا بلدا يشبههم تماما؛ بلدا أسوأ من أسوأ برميل قمامة؛ بلدَ لصوص ومجرمين وقتلة، لانه الوحيد الذي يسمح لهم بالثراء، والوحيد الذي يمنحهم الفرصة لتقاسم حصص النفوذ والسلطة، ولانه الوحيد الذي يجعل دناءتهم وخستهم شيئا يتوافق مع اخلاقيات الديمقراطية كما يتصورها نازيو البيت الأبيض. ولأنهم كثر، فقد كان من المناسب ان يتحول كل منهم الى تاجر حرب، او تاجر ديمقراطية -لا فرق- وان يجلس كل واحد منهم على تلته الخاصة ليرى من خلالها نفسه "زعيما" و"قائدا" و"مرشحا" لجميع المناصب الممكنة وغير الممكنة.

في وقت من الأوقات، إشتهر العراقيون بسحل المعارضين.

كان ذلك تعبيرا عن وحشية خالصة. ويستطيع المرء ان يفهم من اين جاءت دكتاتوريتك بفظائعها الجليلة.

***

دكتاتوريتك ربما كانت مشكلة لبعضنا، ولكنها لم تكن هي المشكلة بالنسبة لصهاينة واشنطن ولندن.

في الواقع، لم يفعل أولئك الصهاينة شيئا أكثر من دعم الدكتاتوريات... على طول الخط.

هل هو النفط إذن؟

المسألة تقبل الجدل. الهيمنة على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، إغراء استراتيجي كاف. وبالنسبة لشركات لصوصية ونهب يشرف عليها مسؤولون كبار في الادارة الاميركية، فان شيئا من ذلك الاغراء الاستراتيجي كان إغراءً على المستوى الفردي أيضا.

ولكن النفط مبذول . وفي النهاية، فانه سلعة للبيع. وشراؤها، والتحكم بأسعارها، ممكن باحتلال أو من دونه.

المشكلة الحقيقية
هي انك كنت تريد ان تحوّل العراق الى قوة إقليمية. قوة تقف شوكة في خصر اسرائيل. قوة ردع نووية مستقلة. قوة لا يعود بوسع الولايات المتحدة او بريطانيا ان تمارس ضدها سياسات "البلطجة" التقليدية.

قوة كهذه، في موقع العراق الجغرافي، كانت ستعني الكثير جدا بالنسبة لاستراتيجيات الهيمنة الغربية، والكثير جدا بالنسبة لتطلعات اسرائيل الاقتصادية في المنطقة ولنظرتها الخاصة لعملية السلام، بل ولوجودها نفسه.

لم تكن دكتاتوريتك هي المشكلة، ولا انتهاكات نظامك لحقوق الانسان، بل أسلحتك للدمار الشامل.

كنت تريد ان تبني وطنا قويا وأمة حرة. وكنت تطالبنا بالولاء الأعمى، لانك كنت تنظر الينا ليس من حيث نقف، بل من حيث ترى نفسك في أعلى نقطة.

نحن لم نر
. ولكنهم كانوا يرون، وكانت فرائصهم ترتعد من المستقبل الذي تقترحه على هيمنتهم وغطرستهم واحتلالهم.

الآن، نستطيع ان
ندرك
، أنت وأنا، لماذا جلبوا لصوصا وإمعات ليحكموا العراق بعدك، ولماذا أشاعوا الخراب في كل جزء من أجزائه، ولماذا يغتالون علماءه واساتذته وخبراءه، ولماذا أحرقوا المكتبة الوطنية ونهبوا المتحف الوطني، ولماذا دمروا بنية البلد التحتية ولم يعيدوا إعمارها، ولماذا مزقوا بين العراقيين على أسس طائفية وعرقية، ولماذا نهبوا أمواله وثرواته، ولماذا يزمعون دفعه الى هاوية حرب أهلية، ولماذا يرفضون الانسحاب قبل أن "يكملوا المهمة"؟

سيدي الرئيس، لقد أخطأت كثيراً وأصبت كثيراً. ولكنك كنت دكتاتورا رائعاً. أما أنا، فقد كنت على خطأ دائماً.

وأنا أعتذر.

أعتذر.. وأبكي من مقلتي دماً على عراق أضعناه كما لم نُضِع بلدا.

ليست هناك تعليقات:

من هم عرب 48 ؟؟

انني وبعد ان خضت تجربة لا بئس بها في الساحة العربية الإسلامية الاليكترونية , كالمنتديات والمدونات , وموقع شتى , اثارني دائما ان هناك نسبة لا بئس بها لا يعرفون عن عرب 48 اي شيئ وإذا كانوا يعرفون فمعلوماتهم مغلوطة نوعا ما .. واصلا هناك من استغرب بوجود عرب داخل اسرائيل !!! فمن فضلك اقرا هذا السطور قبل الدخول وبإسم الله نبدا : عرب الـ48، هي التسمية الشائعة في العالم العربي للفلسطينيين العرب الذين يعيشون داخل حدود إسرائيل (الخط الأخضر، أو خط الهدنة 1948).(يستخدم مصطلحي "عرب إسرائيل" و "الوسط العربي" للإشارة إليهم في الإعلام الإسرائيلي، كما يستخدم مصطلح "الأقليات العربية"، لاحظ استخدام صيغة الجمع) هؤلاء العرب هم من العرب آو أنسال العرب الذين بقوا في قراهم وبلداتهم بعد حرب الـ48 وإنشاء دولة إسرائيل، أو عادوا إلى بيوتهم قبل إغلاق الحدود. تضم الإحصائيات الإسرائيلية الرسمية سكان شرقي القدس وهضبة الجولان إلى "عرب إسرائيل" بالرغم من أن أغلبيتهم حائزين على مكانة "مقيم دائم" في إسرائيل ولا يملكون الجنسية الإسرائيلة. حسب الإحصائيات الإسرائيلية الرسمية يشكّل المسلمون حوالي 83% منهم ، 12% من المسيحيين و5% دروز. يقدّر عدد مواطني إسرائيل العرب والحائزين على مكانة "مقيم دائم" بما يقارب 1،413،500 نسمة1، أي 19.87% من السكان الإسرائيليين2 وهم يقيمون في ثلاث مناطق رئيسية: جبال الجليل، المثلث وشمالي النقب. أما من بين المواطنين فقط فتكون نسبة المواطنين العرب حوالي 16% من كافة المواطنين الإسرائيليين..من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة أخيراً : معلومة مهمة جدا الا وهي ان دخول الجيش الاسرائيلي غير متاح للعرب المسلمين والمسيحيين بسهولة خوفا من عدم الولاء للدولة !