بينما نحن متواجدين في أي مكان كان , وفي مطالعتنا لأي كتابٍ ، وسماعنا لأي صوت , لا بد وأن تكون الأذهان حاضرةً والعقول مبصرة ، برؤية ثاقبة ، ننقد ، نوازن ، نرجح ، حتى نتمكن من تحقيق خلفية فكرية وثقافية تمكننا ان نصبح اصحاب وجهات نظر ونتخذ الدروس والعبر من تلك الأحداث التي نعيشها .
بِهذا نكون قد حققنا الخطوة الأولى في كتابة المقال ، فالمقالة وإن كان فيها إعتماد لا بئس به على العلم باللغة وفنونها ولكنها في اهم جوانبها تعتمد على غايتين أساسيتين :
1) التعبير عمّا يجول في الخاطر حول قضية من القضايا :
بعد ان تتوفر في الكاتب الصفات التي اوردناها في البداية والتي تشكل اساسيات في مهارات التفكير ، وتتمكن من طرح ارائك دون تهديد فلا حجة في ان لا يزاول الإنسان هذا الفن – فن المقالة - . فكلنا لنا قضية نهتم بها ونعيش لإجلها .
2) محاولة إقناع الناس بوجة النظر .
وهي غاية لا بد من توفرها في حياة كل صاحب قضية يريد الإنتصار لها ، فلا بد وان يكون فيه داخله هم بايصال فِكره الى الناس عسى ان يتأثروا بافكاره ويعينوه على إقامة هذه القضية وتحقيقها وتطويرها . وهذا الامر مهم جدا في حياة المسلمون فهو يندرج تحت راية الدعوة الى الله بالحكمة ، والدعوة الى الله لهي عمل من اعظم الأعمال , وكل عملا نفعله نبتغي به وجة الله وفيه رقي للأمة والمجمع وحتى الإنسانية بأجمعها لا بد وان تنطوي تحت مضمار تحقيق رسالة العبودية وهي غاية الوجود .
وبهذا نرى ان تحقيق الغايتين يتوفر عن غالبية الناس , فأفلاطون يقول مجنون من لا يفكر , إذا فالمفروض ان كل إنسان لا بد وان يفكر , فيأتي ميخائيل نعيمة ليقول : كل إنسان فيلسوف ما دام يفكر ويتخذ لنفسة منهجا معلوماً ، فمن ميخائيل نستنتج ان الإنسان الكاتب لا بد وان يكون مفكراً فيلسوفاً .
إذا تناولنا ما قاله افلاطون وميخائيل فاننا يمكننا ان نقول ان معظم المجتمع فلاسفة ، ومن حقاً ان نتسائل : لماذا لا يكون كل إنسان كاتب ؟ وكيف يكون الكاتب مبدع ؟
ان تحقيق الغاية الأولى سهلة ولكنه مهم جداً وفيه يحصل التفاوت والإبداع ، فبعد الإلتفات للظواهر والأحداث ، لا بد للمتفكر أن يسعى لأن تتسع مداركه فيخوض في الأبعاد ولا يجعل تفكيره سطحياً إنما يحاول أن يتعرض لكل ما في تلك القضية من جوانب حتى تتجلى للكاتب وجهة نظر واضحة صائبة ، كما يجب ان يعتمد الكاتب في مرحلة التفكير تدويناً للخواطر والتساؤلات والأفكار حتى لا تندثر وتنتسى .
اما الغاية الثانية هي التي تقرر في أغلب الأحيان مدى نجاح الكاتب ، فأن تقنع الأخرين برأيك هذا إمتياز وتفوق وإن كان غير مطلوبا في الضرورة فكما يقول أحدهم : ليس عليك ان يقتنع الناس برأيك انما عليك ان تقول للناس ما تعتقد انه الحق . فالإقناع فن ومهارة لا تتأتى باليوم والليلة فتتطلب من الكاتب ان يكون صاحب خبرة ودراية ونظرة إبداعية للقضية ، ويعتمد ذلك على الأساليب المستخدمة في المقال : كأن يدعم الكاتب رأيه بالحقائق والبراهين من جهة ومن جهة اخرى يدعمه بوجهات النظر والمقولات التي وردت على لسان العظماء من ابناء العصور والذين لهم وزنهم بين الأمم ، كذلك يمكن الإستعانة بأي مواد من شأنها ان تدعم القضية التي يعالجها الكاتب ولكن بالاعتناء بالأولويات والفوائد .
وما ان تتحقق الغايتين ، لا يتبقى سِوى الكتابة والتأليف وهي مرحلة فيها إعتماد قوي على الثقافة اللغوية والإلمام والمعرفة باسرار ومكنونات اللغة ، فبيدأ الكاتب بتطوير الأفكار الى فقرات ثم يحدد موقع الفكرة المركزية . كما ويجب الإعتناء بالربط بين الفقرات والجمل بصورة ادبية لائقة مستخدمين ادوات الربط المختلفة .
إن هذه المرحلة تتطلب من الكاتب مهارات لغوية غالية جداً ولا تتحصل بسهولة إنما تكون بمطالعة كتب الأدباء والإتطلاع على المعاجم وكتب فقه اللغة بما تحوية من تفاصيل عجيبة .
وبعد هذه الخطوات كلها تتبقى لنا الخطوة الأكثر حساسية وتدقيقا وهو فحص المقال وقراءته قراءة تمعن ونقد ، فيصحح ما يحتاج للتصحيح ويتأكد من وضوح وجهات النظر والهدف من الموضوع ، كما ولا بد ان تتم مراجع الأخطاء اللغوية والنحوية .
أخيراً : هذه دعوة لكل إنسان يُفكر ويتخذ لنفسه منهجاً معلوماً ، ألّا يقف أخرساً أمام القضايا الساخنة وإن كان في جعبته ما قد يفيد الأمة فلا يبخل على مجتمعه بها ، وإن ينهض للكتابة ، فليس هناك صعوبةً تستحق الذِّكر . وللإسف ان الحقيقة المؤلمة انك في اثناء اندلاع القضايا الساخنة تجدنا نحن العرب وربما غيرنا .. نتحدث عن القضايا بكل حرارة فحتى في محلات الفلافل والمقاهي والنراجيل تجد بعد الناس تركوا همومهم الذاتية وباتوا يتحدثون عن القضايا الكبرى ومنهم من يتكلم بوجهات صائبة كتلك التي يقولها الرؤساء والمحللون السياسيون ولكن في المقابل تجد عندهم ذلك الهاجس والخوف من الكتاب .. فإذا كان الوضع كذلك لماذا لا ينطلق كل الناس - سوى اولئك الذين تتحقق فيهم المقولة : يعيش حتى يأكل ولا يأكل حتى يعيش .. - .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق