عمر عاصي ـ الجزيرة توك
بديل أفضل!.هل البديل الأفضل جلباب قصير ولحية كثة؟ أم عقل أذكى وقلب أنقى، وخلق أزكى
وفطرة أسلم وسيرة أحكم؟..الشيخ المُفكِّر محمد الغزالي رحمه الله "
وأهل الحديث " .. ولا زلت استحضرها كلما شاهدت من الحضارة الغربية من الأمور ما لا يُسكت
عنها , ولا بد من الوقوف عندها , لربما يكون في هذا الوقوف دحض لاولئك الذين اختاروا أن
يقلِّدوا هذه الحضارة الغربية تقليدا أعمى لا نور ولا بصيرة فيه , مع ان الأخذ من محاسنهم في
تطوير العلوم والصناعات لا يُعد عيبا ابداً .
كانت المرة الأخيرة التي إستحضرت فيها هذه المقولة , بينما أشاهد برنامج يُعرض على محطة
MBC4 يطلق عليه اسم : The Moment of Truth ما يُقابلها بالعربية : لحظة الحقيقة .
هذا البرنامج هو احد البرنامج التي تُيسِّر على الناس كَسب المال عن طريق وسيلة لست اجد
لوصفها كلمة أحسن من "خبيثة" . وهو يشكل سلسلة من سلاسل الفساد الإعلامي لنشر
الليبيرالية الأمريكية والتحرر من القيم والأخلاق .
في هذا البرنامج يستطيع الفرد المشترك ان يربح نصف مليون دولار بطريقة بسيطة جدا , لا تتطلب
من المشارك سوى الصدق والأجابة عن الاسئلة التي تطرح اليه من قبل مقدم البرنامج او احد
الاشخاص الذين يمكن ان يكون لهم طرف في الإجابة , كما ويجب ان يقول الإجابة امام الجمهور
وحضور افراد من عائلته واقربائه ,, كل هذا بينما هو مراقب من قبل جهاز كشف الكذب .
قد يقول قال , اين العيب والصدق اساس البرنامج , نقول : نعم الصدق الجميل ولكن للصدق
مواطن وللكذب مواطن تعرفها اصحاب الشيم والاخلاف الحميدة كما للكذب مواطن يُحمد فيها :
"قال ابن التوأم: الكذب في مواطنه كالصدق في مواضعه، ولكن الشأن فيمن يحسنه ويعرف
مداخله ومخارجه، ولا يجهل تزاويقه ومضايقه، ولا ينساه بل يحفظه. ومعلوم أن من أجل الأمور
في الدنيا الحرب والصلح، ولا بد فيهما من الكذب. أما الحرب فهي خدعة كما قال عليه الصلاة
والسلام. وأما إصلاح ذات البين فالكذب فيه محمود، لما فيه من الصلاح، وقد رخص فيه السلف."
من كتاب : تقبيح الحسن وتحسين القبيح للثعالبي
أما الان وقد قرأنها هذه الكلمات , نستطيع ان نعود لنعرض الفكرة الخبيثة لهذا البرنامج ,
فالأسئلة التي سيُسأل عنها المُشارك في البرنامج هي أسئلة شخصية جدا جدا , حتى ان الذي
يشاهد البرنامج قد يفكر للحظات ان المشاركة لن يخرج من البرنامج إلا وقد طلق زوجته أو خسر
اهل اصدقائه , لانها عادة ما تكون شديدة الحساسية وكلما اقتربت من المبلغ المطلوب تجد نفسك
مُحاصراً حصاراً نفسياً لم تكن تتوقعه , وقد يضطر المُشارك للبكاء ومواجهة نفسه أمام ملايين
المشاهدين وعشرات الحضور وعدد من الأقارب .
احدى الاسئلة التي إستفزتني كانت : هل تشعر بجاذبية جنسية نحو اخوات زوجتك؟!! , وإذا
بالجمهور يترصد الإجابة والشخص المشاركة يتلاعب بحاجبيه وتتراقص ملامحه وكأنه اوقع نفسه
في فخ من اجل هذا النصف مليون دولار .. وفي لحظة الحقيقة كان لا بد من الإجابة , , وللأسف
كانت الاجابة نعم .
المشارك طأطأ رأسه , اما الجمهور فانتعش إنتعاش جعل رجاله ونسائه يصرخون بصرخات أهل
الجاهلية ,أما الزوجة فقد إكتسى وجهها بالحمرة خجلا وغضبا , بينما وجدت أخت الزوجة تتضاحك
وتقول : مؤكدا لست انا فهناك اختنا غيري , وراحت تتحدث والكاميرات تتوجه اليها واذا بها تسرد
واقعا مؤلما في زنا المحارم , وتقول ان زوج أختها واعد اختيها الاخرين , بينما هي لم يواعدها
واما هو فقد تورط لا محاله , وبدأ يلمح لها بأن اسكتي ولكنها ابت الا ان تفضحه .
هذا السؤال هو غيض من فيض تلك الاسئلة الخبيثة التي يتم سؤالك عنها , وكأن كل سؤال يكون
الإحتمال فيه ان تترك زوجتك من اجله يكون الربح عليه اكثر فاكثر , اما انا فكان بودي ان اشاهد
البرنامج حتى النهاية ولكنني لم اجد لذلك طعما , إكتفيت بعددا لا بأس به من الاسئلة التي تثير في
النفس الإشمئزاز كما وعدداً من المشاهد لهذه الحضارة الزائفة التي تخلت عن الأخلاق والقيم .
فما الفرق بين الحضارة الغربية بنت القرن الحادي والعشرين وبين الفرنجة الذين عاشوا قبل 800
عام والذين كتب فيهم أسامة بن منقذ في أحد كتبه :
و ليس عندهم شيء من النخوة و الغيرة ، يكون الرجل منهم يمشي هو و امرأته يلقاه رجل آخر
يأخذ المرأة و يعتزل بها و يتحدث معها ، و الزوج واقف ناحية ينتظر فراغها من الحديث ، فإذا
طولت عليه خلاها مع المتحدث ومضى.
ختاماً : المال خادم جيد وسيد فاسد , وهذا بالفعل ما يفعله المال الذي بات يسود البشر , عندما جعل
في خدمة الفساد , ولست املك حقيقة الا ان اتوقع زوال هذه الحضارة قريباً , فالحضارة ليست
عبارة عن بضعة ماكينات تخترف سرعة الصوت او تخترق الفضاء بل الحضارة أخلاقاً وقيما تسعى
في ترقية المجتمع والفرد . وكما قالوا :
انما الامم الاخلاق ما بقيت ... فان هُم ذَهبَتْ أخلاقهُم ذهبوا
تلك حضارة زائلة ,, لا محالة .