اثاروني بجشعهم !
بينما انا جالس في محطة الشرطة الخاصة بمستوطنة أرئيل – وهي من اكبر المستوطنات في اسرائيل – أطالع ألبوماً مِن الصور كان قد وضع على الطاولةِ في غرفة الانتظار , كانت الصور تحاول تأكيد ما يُقال في ان الشرطة في خدم الشعب , ولكنني ما لبثت أن إكتشفت بأن الشرطة في خدمة من تريد هي فقط ! فهذه صورة لشرطي يعانق الاطفال في العبّارة التي نقلت اليهود الى فلسطين وتلك صورة شرطي يساعد امراة تنتظر وهي جالسة بالقرب من حقائبها في مدينة حيفا لتسكن بيت احد المهجرين ! وتلك وتلك وتلك , صور كثيرة اثارت في نفسي مشاعر ( الله اعلم بها ) ..
في هذه اللحظات يدخل غرفة الانتظار شيخٌ ملتحي في الستينات من عمره ومعه غلام يبدو وكأنه في الرابعة عشرة من عمره , شعرت برغبة تنمو في داخلي لضمهم , فيبدو عليهم اثر المشقة والتعب حيث وجوههم المنهكة من يوم عمل طويل لا شك انه كان في احد الحقول .. كما وملابسهم نالت قِسطاً من ذلك المظهر المكلل بالعناء . فلست اقدِّرُ شيئاً أكثر من ملامح "الفقر" وإحترام النفس حين يجتمعان في شخص.
تملكتني رغبة في استكشافهم , واذا ببصري ينخطف نحو ارجل الغلام التي ليست مكسوّةً الا بجرابٍ متّسخة مغبرة , فإن مظهر كهذا يكاد يكون معدوما في قاموس الاشكال التي اراها يوميا , علماً بان الصبي كان بهية الطعلة وعليه اثر الاستياء , من مَجلسي جعلتُ اتأمله بلطفٍ يصحبه رغبة في معرفة الكثير عن الاسباب التي ادت بهذا الغلام البهي الطعلة ان يظهر بهذه الحُلّةِ وسبب حضوره لمثل هذا المكان !
كأن الزمن قد توقف فجأة فكلُّ هذا حدث في غضون هنيهات قليلةٍ لم تمكث حتى تبعثرت مع جلوس ذلك الرجل وإبنه , وكعاتنا نحن المسلمون لا بد ان نتبادل السلام – والحمدلله- كما علمنا المصطفى عليه الصلاة والسلام – فكيف ذلك ونحن في بلد يجعلنا يُشعرنا بالغربة في بلادنا !
شعرت بالراحة تجتاحني بعد ان طرح السلام وجلسنا نتبادل النظرات الخاطفة التي توحي بشيء من الرغبة في مشاركة الاخرين فكرة نعيشها , وما لبثنا ننتهي من النظرات حتى انبثق نور الحديث بيننا ليبدا الرجل كلامه بلسان فلسطيني فلّاحي :
بكينا كاعدين نشتغل بالارظ , والا ولدين إصغار كانوا معنا بقوللنا في يهود جايين ومعهم سلاح , قمت انا خليتهم يروحو لانهم باكو خاييفين لانو هذول كانوا مستطونين جايين ناويين على شر وفي منهم معهم سلاح , ظليت انا والولد هذا , وهيهم ظربوه واخذو منه الوطا ( الحذاء) واخذو منه كم سخل صغير وظلهم رايحين .. وهينا جايين نشتكي عليهم !
سألته اذا ما كان يتوقع ان الشرطة الاسرائيلية سيتعاملوا بجدية مع القضية فاجاب :
اذا بتصرفو بسرعة يمكن يوصلولهم , اما اذا بكعدو يتسبلدو " العمل بغير همة " , فشو بنا نعمل , الله بعين !
هذا باختصار –وبتصرّفٍ مني- ما دار في ذلك الحوار الذي كان يشعل فيي مشاعر كان قد اندثر شيئا منها , فبدات اشعر وكانني يجب ان اتكلم بكلام غير الكلام الذي اعرفه , يجب ان تحرك فورا لفعل شيئا لا اعرفه .. وفي غضون مثل هذه الانفعال لم اجدا الا ان الغضب قد سيطر علي , ونما كلما تمعنت وجه ذلك الغلام الذي بدأت ألاحظ على وجهه شيئا من اثار اللكمات من خلال خدوده التي كانت تكتسي بالصمت والحُمرة ..
اما المحققة – فقد كانت اثنى , سالتهم ان كانوا يعرفون العبرية فلم يجيبو وفهم انهم لا يتكلمونها , فقالت بلكنة خواجية : إستنى !
والحق يقال انني سمعتها تبحث عن مترجم لكي يسجلوا الإدانة ! وبدا البحث عن مترجم , فبادرنا الشيخ الذي كان يجلس منهكما في التسبيح بمسبحته الصفراء بسؤالا فجائيا : انتو بتعرفو عبري ؟
فاجابه من كان معي: نعم ولكنهم لا يسمحون , فاستطردت كلامه بانهم يخافون ان نغشّهم ! ..
في هذه الأثناء كان قد حان دوري لادخل عند الشرطية فقد كانت الاخرى انثى , كان عندي رغبة بان لا اتكلم وان استفزها وأستفزها وفقط ! وكذلك كان – لن ندخل في التفاصيل ! - .. وبإستفزازها وجدت ارتياحي !
خرجت وفيي رغبة لاقدم لهم شيئا ولكن للاسف , لم اجد السبيل لذلك ولكنني وجدت الاسف لذلك , ولا ادري فكم من العائلات تعاني هذا العناء كل يوم , وكم من العوائل قد عانت هذا من قبل .. واقول لهذه العائلات انني لا املك لكم سوى الدعاء والدعاء فاللهم انصرهم انك القوي الحكيم ! اللهم يسر امورهم وفك أسرهم !
وحسبي الله ونعم الوكيل ! !
هناك تعليق واحد:
وماذا نتوقع من إسرائيل ..!
وماذا نملك لهؤلاء المظلومين غير الدعاء ..!
نبقى نحيا ونعيش وعلى أيدينا مكابل لعينة ،، بل وأمامنا حواجز أكبر وألعن من الذي تكبلنا ...!!
دمت بضياء سيـدي
إرسال تعليق